رواية الدهاشنة بقلم آية محمد رفعت

موقع أيام نيوز


يراقبه وهو ينظف الغرفة بهمة ونشاط فبدى له بأن هذا الرجل المسن عاش عمرا بأكمله يخدم فهد وعائلته لذا سأله بمكر 
_بقالك اد ايه شغال هنا! 
أجابه الرجل وهو يضع ملاءة جديدة على الفراش
_بقالي 40سنة من قبل ما البيه الكبير ېموت.. 
ابتسم ساخرا وهو يسأله بإستنكار 
_وهو في حد يضحى بكل ده من عمره عشان يخدم حد.. 

رد عليه صالح بابتسامة مشرقة 
_أصلك متعرفش فهد بيه وعيلته كويس وأني هعوز أيه غير الاحترام والعيشة الكريمة اللي بلاقيهم اهنه وكبيرنا بيحترم الصغير قبل الكبير وكلتنا نفديه بارواحنا مش بعمرنا بس.. 
انتابه دهشة كبيرة فلطالما كان حائرا في سر العلاقة القوية بين فهد ورجاله والآن ازدادت حيرته أضعافا انتهى صالح من تنظيف الغرفة ثم قال 
_الاوضة بقت زي الفل اهي ولو احتاجت أيتها حاجة ناديني بس.. 
وكاد بالمغادرة ولكنه التف اليه ثم قال بابتسامة صغيرة 
_تعرف يا ولدي انت من دور عيالي عشان اكده هقولك نصيحة أوعاك تكون داخل اهنه ولسه في جلبك سواد وكره للكبير لانك اكده هتبقى بتخسر نفسك اني عشت عمري كله اهنه وعمري ما شوفت حد بيقلل احترام منيه ولا حد يستجري يناديه باسمه اكدهحتى ولاد عمه سليم وعمر وأنت في عمر ولده وبالرغم

من اكده سايبك تناديه كيف ما تريد يمكن اللي بيشفعلك عنده حاجة واحدة بس.. 
رفع آيان حاجبيه وهو يتساءل باستغراب 
_حاجة أيه 
رد عليه بنفس البسمة البشوشة 
_انك متعرفوش يا ولدي أنت عشت عمرك كلته بتتخيل فيه الشړ والۏحش عشان اكده وجودك اهنه لسبب ميعرفوش غير الكبير نفسه والعلم لله هو رايد منك أيه جايز يكون بيديك فرصة انك تعرفه زين.. 
وغادر بعدما زاد من حيرتهفجلس أيان على الفراش وهو ينفث عما بداخلهفتذكر الحديث الذي تم بينه وبين فهد بالمشفى قبل قدومه لهنا.. 
_بعد اللي مهران قاله مبقتش عارف أفكر ولا قادر أستوعب أن كل اللي عملته ده مكنش للي يستحق أنا حتى عاجز اني اعتذرلك يا فهد..أنت متخيل إزاي كرهي ليك لسه جوايا لحد اللحظة دي حتى بعد ما عرفت الحقيقة! 
ابتسم فهد ثم قال 
_اللي يتربى على حاجة 27سنة صعب يتقبلها بسهولة يابن المغازي... وأني مش مستني انك تحبني او تحب عيلتي أني عايزك تنهي اللي بينا بطلاقك لبتي وكل حي يروح لحاله.. 
اتقبض قلبه لسماع ما قال لذا صاح بعصبية بالغة 
_لا يا فهد انا مش هطلق مراتي انا بحبها وعارف انك مستحيل تصدق الكلام ده بس دي الحقيقة انا ماليش هدف ولا غاية اعيش عشانها غير هي حتى وانا عارف ان قلبها مبقاش ليا زي زمان بس هحاول اني اخليها ترجع تحبني من تاني.. 
طرق بعصاه الأرض پغضب اتبع نبرته الصارمة 
_أوعاك تكون فاكر اني مقدرش احمي بنتي واخلصها منيك.. 
أخفض رأسه للأرض بحزن 
_عارف انك تقدر بس أنا مش هقبل انك تفرقني عنها ويمكن ده يكون سبب العداوة الجديدة اللي هتجمعنا مرة تانية. 
ضحك بصوت مسموع ثم قال ساخرا 
_بتهددني يابن المغازي! 
هز رأسه نافيا 
_لا.. أنا بحاول اوضحلك الامور حتى لو مكنتش لابق في اختيار كلامي.. 
منحه فهد نظرة مطولة زينها الغموض والثبات انهاها حينما انتصب بوقفته وهو يخبره بكبرياء
_يبقى تسمعني زين لو عايز تبقى مع بنتي تنفذ كل اللي هقولهولك انت غلطت لما كنت بتحاول توطي رأسي قدام الخلق ودلوقت وقت الحساب وزي ما بتقول انك بتحب بنتي يبقى مترضاش ليها انها تبقى متهانة ومکسورةالراجل الصوح هو اللي يخلي كرمته وكرامة مرته فوق...ولو عايز ده يحصل يبقى تجيب حاجاتك وتيجي لحد باب بيتي..البيت اللي هنت ناسه هتعيش فيه وسطيهم..
بالمشفى.. 
حاول أكثر من مرة أن يرتدي الذراع الأخر من القميص ولكنه لم يستطيع فضغط بأسنانه على شفتيه ليكبت تلك الشهقة التي يصاحبها ألما حاد وتطلع تجاهها فوجدها تجمع ملابسه ومتعلقاته الخاصة بالحقيبة الصغيرة التي تحملها لاح على وجهه ابتسامة خبيثة فخلع ذراعه الاخر من القميص ثم ردد بتعب مصطنع 
_تسنيم.. 
رفعت عينيها تجاهها فأشار لها على القميص اقتربت منه على استحياء ثم جذبت القميص الملقي خلفه وعاونته على ارتدائه لتغادر من أمامه سريعا تجاه الحقيبة فرفع حاجبيه بسخط وهو يشير على الأزرر المفتوحة 
_يعني همشي كده ولا أيه! لو معندكيش مشكلة أنا كمان معنديش مانع.. 
منحته نظرة شرسة قبل أن تقترب منه فأغلقت القميص وهي تخبره بضيق 
_وأنت ما بتصدق صراحة.. 
غادرت ابتسامته عنه فجأة فأمسك بيدها التي تغلق أخر زر من القميص ثم تعمد وضعها على جرحه القريب من قلبه فقشعر جسدها وهي تتخيل آلامه في لحظة لمس يدها لجرحه فرفعت عينيها تجاه وهي تهمس پخوف 
_آسر.. 
ابتسم كالمغيب بعينيها ليخبرها 
_عنيا مش بتشوف غيرك وكأن مفيش على وجه الأرض ست جميلة غيرك.. 
ثم رفع يدها إليه ليطبع قبلة رقيقة على أصابعها ومشاعره تهمس على لسانه الناطق 
_وحشتيني.. 
أغلقت عينيه بقوة تحتمل تأثير قربه وكلماته الساحرة فجذبها لتجلس على قدميه ثم احتضنها عله يمنحها آمان قربه منها فمسد بحنان على ظهرها وهو يقول
_البعد ده معتش هيطول وهترجعي نامي في حضڼي زي زمان.. 
رفعت وجهها تجاهه ثم قالت بدمعة حزينة 
_البيت من غيرك ممل حتى الجناح مبقتش بقعد فيه.. حساه زي القپر من غيرك.. 
طبع قبلة على جبينها ثم قال ببسمة ماكرة 
_هنحيه من تاني مع بعض.. 
وأبعدها عنه ثم حاول التمسك بحافة الفراش لينهض على قدميه فتشبثت بيديه لتعاونه على المضي قدما حتى خرج من الغرفة فأسرع تجاهه بدر وأحمد ليعاونوه فرفض آسر أن يستند عليهما فود أن يتغلب على ضعفه ذلك بعدما اختار الوقوف على قدميه لذا خرج وهو ينتصب بمشيته حتى وإن كان بداخله يئن هبط للأسفل حتى صعد لسيارتهم وجلست هي من جواره فتحركت السيارة للسرايا.. 
خرج آيان للشرفة يتأمل السرايا والحدائق بنظرة إعجاب فاهتدت نظراته على فهد الذي يجلس على الأريكة الموضوعة بمنتصف الحديقة ولجواره كان يجلس عمر ويحيى فهبط ليجد اجابة صريحة لما يجوب برأسه فما أن دنا منهما حتى انزعج يحيى منه ومع ذلك لزم الصمت احتراما لقرار عمه فوفف أيان مقابله ثم قال 
_أديني جيت زي ما اتفقنا يا فهد ممكن تفهمني بقى عايزني ليه هنا! 
جذب كوب الشاي الساخن ليرتشفه
وهو يجيبه بثبات قاټل 
_ولا حاجة بنتي كانت ضيفة في بيتك كام يوم وإحنا مينفعش منردش

واجب الضيافة ده حتى تبقى عيبة في حقنا.. 
ثم استدار بوجهه تجاه يحيى فأشار له قائلا 
_خد ابن المغازي يا يحيى وروحوا نضفوا الاسطبل زمان ولدي على وصول ولو ملقهوش مترتب هيتضايق..
ضيقيحيىعينيه بدهشة مما قالفأشار لهعمربأن ينفذ ما قاله دون أي كلمةفاحتبس غضبه بداخله وهو يشير له بيديه
_طريق الاسطبل من هنا..
أزاح أيان عينيه عن فهد بصعوبةفكان يشعر لأول مرة بأنه عاجز...عاجز عن فهم هذا
الشخص وما بدور بتفكيره..فان كان يتعمد اهانته لما كان أرسل معه ابن شقيقته معهفكيف سيعرض أحد أعمدة الدهاشنة للإهانة إذا كان يتعمد اهانته شخصيا!
اتبعآيان يحيى حتى وصل للاسطبل فوقف المساحة الكبيرة والخيول العربية الاصيلة باعجاب شديد وما أثار إعجابه هذا الفرس المميز الذي يستكين بمكان منفرد عن الجميع وكأنه يميز نفسه ويعلن سيادته على الجميع اقترب آيان منه وقبل أن تلامسه يديه حذره يحيى قائلا 
_خد بالك لايدك تنكسر الخيل ده مش زي اللي هنا ده خاص بآسر وصعب حد يقربله.. 
قال وهو يدنو به دون مبالاة 
_اسمه أيه 
أجابه يحيى ساخرا 
_وهتعمل بإسمه أيه متقربلوش وخلاص لو مش عايز إنه يأذيك.. والله أعلم المرادي هترموا التهمة على مين فينا.. 
قضى أيان ساعة كاملة بصحبة يحيى بالاسطبل فرغما عنهما كانوا يتعاونا في حمل الأثقال والعمل سويا طوال تلك المدة فتأقلم يحيى على وجوده بنفس المكان الذي يقف هو به.. 
وضعت رواية ونادين الطعام الشهي على السفرة الضخمة استعدادا لاستقبال آسر حتى الفتيات تعاون على تنظيف السرايا جيدا فانطلق صوت بوق السيارة يعلمهم بقدومه.. 
هبطآسر من السيارة فاستقبلته نسمة هواء باردة أنعشته فأغلق عينيه بابتسامة صغيرة ثم اتجه يسارا بخطاه البطيئة سأله أحمد باستغراب 
_أنت رايح فين 
قال وهو يستكمل طريقه 
_هبص على همام قبل ما أطلع.. 
لحق به أحمد بينما حملت تسنيم الأغراض وصعدت بها للأعلى استند آسر بيديه على الأخشاب المصفوفة جوار بعضها البعض حتى وصل للاسطبل فجابت عينيه المكان وكأنه يبحث عن شخصا ما فاهتدت نظراته تجاهه لم يكن ظهور أيان بالنسبة اليه مفاجأة وكأنه كان يتوقع ما سيفعله أبيه ترك أيان كومة القش الذي يحملها أرضا حينما رأه يقف أمامه فدنى منه ثم بدى مرتبكا فيما سيقول 
_بقيت أحسن 
_يهمك أمري! 
_أكيد بعد ما فدتني بروحك يهمني انك تبقى واقف على رجلك من اول وجديد. 
هز رأسه والبسمة لم تفارق وجهه فأشار له أحمد وهو يمنع أيان نظرة مغتاظة 
_يالا يا آسر ندخل لازم ترتاح.. 
أومأ برأسه له ثم انصاع ليديه ليدلف للداخل فوجد الجميع باستقباله فدنت منه حور ثم قالت بفرحة 
_حمدلله على السلامة يا آسر.. 
وأضافت ماسة 
_ربنا يكمل شفاك على خير يارب.. 
وقالت رؤى
_نورت بيتك.. 
منحهم ابتسامة صافية وهو يجيبهم بامتنان 
_شكرا على كل اللي انتوا عاملينه هنا ده.. 
وكان يقصد تزينهم للقاعة لتكن باستقبله اتجهت نظرات آسر لروجينا التي تدفع مقعدها تالين فانحنى مقابلها وهو يسألها بحزن 
_ليه لسه قاعدة على الكرسي يا روجينا مش بقيتي أحسن 
رسمت ابتسامة صغيرة وهي تجيبه 
_اتحسنت عن الاول كتير الحمد لله المهم طمني أنت عنك 
طبع قبلة على جبينها ويديه تمسد برفق على حجابها 
_بخير يا حبيبتي.. 
ثم نهض ليحتضن جدته التي هبطت متلهفة للقاء به فأتت نادين من المطبخ حاملة لصينية المعكرونة الشهية فوضعتها على السفرة وهي تناديهم قائلة 
_الاكل هيبرد يا جماعة.. يالا.. 
خرجت خلفها تسنيم بالشوربة ثم وضعتها بحرص على السفرة فاجتمعوا جميعا عليها فقال سليم بفرحة 
_بقالنا زمن متجمعناش اكده... 
رد عليه عمر 
_آسر جمعنا أهو يا سيدي.. 
ابتسم آسر ثم قال 
_متقلقش يا عمي كل ما تحن للقعدة الحلوة دي رنلي بس وأنا هطوح على أي مستشفى.. 
تعالت الضحكات فيما بينهما فقال يحيى باستغراب 
_أمال فين بدر 
ضيق احمد عينيه بذهول 
_كان هنا دلوقتي! 
قاطعهما صوت الكبير حينما قال 
_بعته مشوار وزمانه راجع.. 
تطلع آسر لهما ففهموا ما ينوي أبيه فعله.. 
بالخارج.. 
ما أن انتهى أيان من عمله حتى جلس على الطاولة المحاطة بالمقاعد الخشبية بمنتصف حديقة السرايا وهو يزيح عرقه بالمناديل الورقية فانتبه لبدر الذي يقترب منه بتأفف وكأنه مجبور على القدوم إلى هنا فقال بضيق شديد 
_أنت.. قوم معايا عمي عايزك.. 
رفع عينيه تجاهه پغضب ثم قال 
_أيه أنت دي ماليش أسم! 
_أنا

لولا عمي قسما بالله كنت دفنتك وتويتك هنا ومحد يعرفلك طريق بس مجبور أكلمك بكل هدوم.. 
منحه نظرة باردة قبل أن يترك مقعده ويجذب قميصه ليرتديه فقال بدر پغضب 
_وتبقى تلبس هدومك بعد كده السرايا فيها حريم ولازم تتعود على احترامهم وده شيء هيبقى جديد عليك يابن المغازية.. 
لم يعيره
 

تم نسخ الرابط