رواية جبر السلسبيل بقلم نسمة مالك
المحتويات
الوخزات المؤلمة التي تغزو صدرها و قلبها معا فما أصعب الشعور بالوحدة في وجود الزوج و اليتم في وجود الأب..
تسارعت دقات قلبها و علقت أنفاسها بصدرها حين تسللت إلى أنفها عبق رائحتة لوهلة ظنت أنها تتوهم وجوده لشدة أحتياجها له
لينفتح باب الغرفة و دلف هو منه بهيئته التي
تفقدها صوابها تطلعت له بأعين تشتعل تتلهف لقربه رائحته لمسته لكنها تظهر عكس ما بداخلها تصطنع الجمود رغم الضجيج الصارخ بأعماقها الذي يستجديه أن يشد رحاله ..
بجيتي مراتي.. مراتي يا سلسبيل..
أجهشت بالبكاء و كأنها تشكو له بدموعها ما عانته طيلة عمرها رفع إحدي يديه و وضع أبهامه على شفتيها و هو يقول..
هششش.. كفاياك بكي.. خابر أني عوقت عليك.. حقك عليا ..
همست بها بتقطع من بين شهقاتها الحادة و هي تمتثل رغما عنها للسحر الذي يبثه لها بنظراته..
أيه قولك أحكيلك حدوتة الچبر..
قالها و هو يزيل عبراتها المنهمرة على وجنتيها بأنامله بمنتهي الرفق نظرت له بعينيها نظرتها التي تذيب قلبه المتيم بها عشقافتابع همسه الهادئ ..
چبر جلب السلسبيل..
أريد الراحة و الأمان
و أن أعيش ف أطمئنان
و أن يكون لدي حصانة من غدر الزمان
فهل يتحقق ما أريد
أم يذهب طي النسيان
أريد عوض قريب
من رب العالمين
لعله يستجيب
فهو جابر المنكسرين.
الفصل الرابع عشر..
سلسبيل..
بالنسبة لها لم يعد للحديث أي أهمية الآن يكفي الصمت المطعم بالتنهيد بعدما تحقق أعظم أحلامها و حصلت على عناق الرجل الوحيد الذي جعل قلبها ينبض لأول مرة بالحياة اتخذته شجرة يقطينها الطيبة إذا البرد وارتعاشة الظلمة اجتاحتها احتميت بأوراقه الدافئة..
يهديها ابتسامته كلما شعر بخۏفها لم يتحدث معاها و ظل صامتا عندما رأي طقس حدقتيها الغائم الذي بكلمة حنان منه سينهمر المطر..
إلى أن تحدثت هي بعدم تصديق بصوت مبحوح مرتجف..
عبد الجبار.. أنت هنا معايا!! ..
و تابعت ببوادر بكاء..
أنا في فعلا و لا أنا بحلم زي كل يوم!!!..
في يا سلسبيل و چوه جلبي كمان يا زينة البنات..
حاولت السيطرة على مشاعرها التي تبعثرت منها الذي يعصف بكل ذرة تعقل بها و بدأت تبتعد عنه ببطءخافضة رأسها بخزي من نفسها
لا لا مينفعش.. أبعد عني.. انا وعدتها..
همست بها و هي تحرك رأسها بالنفي و بدأت تدفعه بعيدا عنها بضعف لكنه أحكم سيطرته عليها و أعادها مكانها بجوار قلبه المتيم بها مردفا بهدوء كأنه يحدث صغيرته..
أبلة خضرا.. وعدتها أني مش هكون لك زوجة يا عبد الجبار..إجابته بصعوبة من بين شهقاتها العالية و قد اڼفجرت في نوبة بكاء حادة..
رفعت رأسها و نظرت لعينيه بعينيها الحزينة الباكيه مكملة بأسف..
جوازنا هيكون على ورق بس لحد ما اعمل العملية و لو ربنا أراد و قومت منها يبقي..
ابتلعت غصة مريرة بحلقها و تتبعت بصوت يملؤه الألم..
يبقي هطلقني و لو مت تبقي ټدفني أنت يا عبد الجبار عند أهل أمي!!..
عبد الجبار أرجوك.. أبعد عني..أرجوك كفايا..
أني مليش صالح بوعدك ل خضرا..أنتى دلوجيت بجيتي مراتي يعني أني حقك و أنتي كلك من حقي فلو أنتي مريداش حقي فيك فأني رايد أعطيك حقك فيا و مهتنزلش عنه واصل.. فاهمني زين و لا أقول كمان...
لا مش فاهمة.. همست بها بعدم فهم و هي تحرك أهدابها التي تغرقها عبراتها لتراه يبتسم لها تلك الإبتسامة الجذابة مغمغما بمكر..
يعني أني دلوجيت رچلك..زي خضرا تمام.. ليكي حق في مالي يبجي هچيبلك بيت من بابه اللي يعچبك و تشاوري بيدك عليه
أچيبلك أغلى و أچمل شبكة تليق ببدر البدور..
أضمك .. أحاوطك بضلوعي و أزرعك چوه جلبي..
اللي بتقوله ده مستحيل يحصل..
قد قولك ده يعني!!..
أردف بها من بين ضحكاته الرجولية التي تدمر حصونها
المنيعة همست بخفوت كالمغيبة قائلة..
هحاول أكون قده..
صمتت لبرهة و تابعت بستحياء ..
بس دلوقتي ممكن تحضني تاني..
تعالي يا عشج الروح..
قالها و هو يخطفها بعناق دافئ جعل الأطمئنان يغلف قلبها و الابتسامة تزين ملامحها رغم بكائها المستمر فالرجل الحقيقي لا تقاس قوته بحجم عضلاته أو كثرة ماله بل بحجم الضحكة التي يرسمها على وجه أنثاه..
الفصل الخامس عشر..
سطعت شمس نهار يوما جديد
إنتقلت سلسبيل من غرفة العناية بعدما تحسنت حالتها بشكل أذهل الأطباء المشرفين على حالتها بفضل الله أولا و من بعده عبد الجبار الذي ظل معاها الليل بأكمله محاوطها بذراعيه بحماية و يده تربت على ظهرها بحنان بالغ حتى رضاها و عالج جروحات قلبها الغائرة..
سنوات طويلة عانت خلالهم من قلة الراحة لم تنعم بنوم أمن مثل اليوم و هي بين يديه رأسها تتوسط صدره تستمع لنبضات قلبه التي أصبحت بالنسبة لها أجمل و أعذب الألحان..
بينما هو لم يغمض له جفن ظل يتأملها بشغف يحفظ أدق تفاصيلها و كم راقه جعله يتمني لو يأكلها كما لو كانت حبة فاكهة طازجة شهية
صوت طرقات على باب الغرفة جعله يبتعد عنها على مضضدثرها جيدا بالغطاء و هب واقفا و سار نحو الباب مهرولا..
كانت خضرا..
تقف أمام باب غرفة سلسبيل بعدما دلتها إحدي الممرضات عليها تحاول إخفاء دموعها التي تجمعت بعينيها الغيرة نيران تنسكب على قلب العاشق و هي تهيم بزوجها عشقا ما تشعر به الآن ألم لا يوصف ينهش روحها رسمت ابتسامة باهته على ملامحهاو أخذت نفس عميق زفرته على مهل و من ثم طرقت على باب الغرفة بيدها المرتجفة..
و ظلت واقفة تنتظر سماع صوت زوجها يأذن لها بالدخول لا تريد اقټحام خلوته معاها حتي لا تري شئ يزيد من ألمها أكثر شهقت بخفوت حين فتح الباب فجأة و خرج منه عبد الجبار و أغلقه خلفه بحرص حتي لا يزعج تلك النائمة..
تعالي يا خضرا.. رايد اتحدد وياك هبابة..
قالها و هو يقبض على كف يدها برفق و سحبها خلفه نحو مقاعد الإنتظار اجلسها و جلس على المقعد المجاور لها و مازالت يدها داخل كفهبل انه اعتدل تجاهها و ضم كفها بكلتا يديها مردفا..
خضرا يا غالية.. اسمعي حديتي اللي هقولهولك زين..
كانت خضرا خافضة رأسها تخفي عبراتها التي خانتها و هبطت على وجنتيها فور وقوع عينيها على وجهه المشرق و لمعة عينيه الجديدة كليا عليه و التي تظهر مدي فرحته الغامرة بعد قضاء الليل برفقة من عشقها قلبه رغم أنه يجاهد حتي يظهر عكس ما بداخله
اتحدد ياخوي.. أني سمعاك..غمغمت بها خضرا بابتسامة حزينة جعلته يصك أسنانه بقوة كاد أن يهشمهم ساد الصمت بينهما للحظات كان هو يمسد على يدها بأنامله بحركة دائريةو ينظر لعينيها نظرة راجية حتي تتوقف عن البكاء..
ڠصب عني يا عبد الچبار.. والله ڠصب عني..مقدراش.. ڼار جلبي واعرة قوي قوي و خاېفة منها عليك و على البنته الصغيرة اللي ملهاش ذنب في أي حاچة واصل..
همست بها خضرا بتقطع من بين شهقاتها و هي ترفع كف يدها الأخرى و ټضرب علي موضع قلبها پعنف
أسرع عبد الجبار بأمساك يدها و مال عليها
إلا دموعك أنتي يا غالية..
أنت اللي غالي يا أبو فاطمة..
قالتها بستحياء بصوت بالكاد يسمع من فرط خجلها..
رفع رأسه ونظر لها بابتسامته الجذابة مرددا..
كفاياك بكي عاد.. لو أني غالي عندك صح..
توقف عن البكاء في الحال بعد جملته هذه حتي تثبت له مدي غلاوته عندها تنهد عبد الجبار براحة حين هدأت نوبة بكائها..
أني عمري ما يهون عليا زعلك و لا وچع جلبك يا خضرا..زيي ما إني متأكد أن زعلي مهيهونش عليك واصل.. بس كمان لازم تعرفي أن سلسبيل بقت مراتي هي كمان و ليها حقوق عليا و انتي مهيرضكيش ابجي ظالم واحده منكم و عشان أكده اسمحيلي أكون چنب سلسبيل في شدتها لأنها بقت مسؤلة مني..
وه.. بستأذني يا عبد الچبار!!! ..
أردفت بها بعتاب مكملة..
البنته في شدة و ملهاش حد غيرنا دلوجيت.. و أني كنت عفشة في حديتي وياها عيشة و تاه عن بالي تعبها و عتبانه على حالي والله يا خوي و مش هرتاح إلا لما أرضيها و احب على راسها كمان ..
ربتت على كتفه و تابعت بنبرة متوسلة..
و أنت كمان يا عبد الچبار اوعاك تزعل مني لو غيرت منها عليك.. بيبجي ڠصب عني.. عقلي بيچن مني يخليني أقول حديت ماسخ ملهش عازة.. أبقى أصبر عليا و أني هعاتب روحي و اچي أتحقلك..
تطلع لها بنظرات منذهلة دوما تبهره بقلبها الماسي و معدنها الأصيل..
طول عمرك أصيلة و بت أصول يا خضرا..
قالها و هو يرفع كف يدها على شفتيه ويلثمه ثانية و انتصب واقفا ساحبها معه و سار بها تجاه غرفة سلسبيل مكملا ..
أني هسيبك وياها و اطلع على الشركة عندي اچتماع مهم لازم احضره.. هخلصه و اعاود طوالي..
قالها و هو يكمل سير مبتعد عن الباب توقفت أمامه خضرا لن يدلف للداخل برفقتها حتي لا تري نظرته لتلك الصغيرة و لهفة عينيه لها..
روح أنت متشلش هم واصل.. أني هفضل وياها اهنه و هاخد بالي منها لحد ما تعاود..
قالتها خضرا و هي تفتح الباب و تخطو للداخل و اغلقته خلفها..
لا إله إلا الله ........
مطار القاهرة الدولي..
أعلنت الميكرفونات عن وصول رحلة قادمة من كندا وقف على باب الطائرة الذي فتح للتو و أخذ نفس عميق يملئ رئتيه بهواء بلده الحبيب الذي اشتاقها حد الجنون بعد غياب أكثر من ثمانية أعوام بالغربة لم يأخذ خلالهم أجازة واحدة..
ترك بلده الحبيب و سعي وراء لقمة العيش بعدما عاني من الفقر الشديد هو وأسرته فقد بسببه أحب و أغلى البشر
لقلبه حتي جائته فرصة السفر فأقسم أن لن يضيعها هباء اجتهد و عمل في أصعب و أخطر المهن حتي تمكن من إثبات ذاته و أصبح ذو شأن كبير في مدة قصيرة و عاد أخيرا حاملا معه الخيرات لأهله..
هبط الدرج على مهل و عينيه تدور بالمكان من حوله بلهفة
مد يده لجيب سرواله أخرج هاتفه ليصدح صوت رنينه فور فتحه فتحدث هو بمزاح..
جدي يا جدي يا جدي..
جابر.. يا حبيب جدك.. أنت فين يا ابني..
أنا في مصر.. رجعت يا جدي.. رجعت علشان أرجعلك بنت بنتك..
صمت لوهلة و تابع بتنهيدة إشتياق..
سلسبيل..
لا حول ولا قوة الا بالله
سلسبيل..
شحب لونها حين فتحت عينيها وجدت نفسها وحيدة بالفراش من دون زوجها للحظة ظنت أنها كانت تتوهم وجوده معاها و لكن رائحة عطره الذي يحاوطها جعلها تتأكد أن ما عشته كان حقيقي لم يكن إحدي أحلامها..
انبلجت ابتسامة
متابعة القراءة