رواية لم يبق لنا إلا الوداع بقلم منى احمد حافظ
المحتويات
مخططه ودفع بآخر بديل عنها
وبمنزلها جلست ليان بعيدا عن والدها تختلس النظر نحوه بين الحين والآخر فترك والدها الذي لاحظ اضطرابها جريدته وترقب حركتها وحين همت بالنظر إليه قبض عليها فزمت ليان شفتيها بضيق فسارع والدها بترك مقعده وجاورها قائلا
ملاحظك من فترة ومرضتش أدخل واسأل وقلت أسيبك براحتك تيجي فالوقت اللي أنت عاوزاه وتحكي بس الظاهر كده إن صاحبتي نسيت أني موجود علشانها ومحرجة تتكلم
بابا هو أنا فيا حاجة ۏحشة فملامحي أو أخلاقي وتصرفاتي طب بلاش هل فيا عيب أنا مش واخدة بالي منه وبكابر
عقد ضياء حاجبيه وسألها بدهشة
إيه الكلام الفارغ دا يا ليان ۏحشة إيه وأخلاقك إيه اللي بتشككي فيها وعيوب إيه بصي يا بنتي واضح كده إن في حاجة أنت مخبياها وطالما اتكلمت يبقى أحكي علشان أفكر معاك ونشوف حل
ازداد تجهم ضياء وعقب على قولها
بس الرحلة دي كانت من حوالي تلت سنين يا ليان معقول يا بنتي حسيتي بكده وفضلت كاتمة جواك طب ليه وعلشان مين
علشان أمجد يا بابا علشان بحبه ومش قادرة أتخيل حياتي من غيره فمبقتش قادرة أرجع ليان القوية بتاعت زمان أنا مبقتش عارفة أنا مين ولا عايشة ليه وبقيت بسمع عقلي وهو بيقول إني ضيعت أحلى سنين من عمري علشان أرضي أمجد وأني رميت طموحي وأحلامي ورا ضهري علشان أشتريه أنا مكنتش عارفة إن الحب ممكن يذل صاحبه لدرجة أنه يقبل يكون تابع علشان يسمع كلمة حلوة وبقيت بفكر ليه لازم اقتل روحي وأدوس على كرامتي علشان يرضى عني لدرجة أنها وصلت معايا أني بقيت أسأل هو ربنا خلقني بنت علشان أعيش في ضل راجل وخلاص
أمجد فشلت روحت لدكاترة وعملت تحاليل وأشعة وأخدت أدوية ووصفات أنا عملت كل حاجة ممكن تتخيلها علشان يكون لي ابن وفشلت واللي هيجنني إن أمجد ولا مرة اشتكى ولا حتى قال كلمة واحدة تجرحني بس المشكلة أني بشوف السؤال فعينه وهو ساكت وبيبص لي بحس فكل لمسة منه ليا إنه بېلمسني ڠصب عنه أنا حتى بقيت بشوف تصرفاته اللي الناس بتحكي وتتحاكى عنها وتشهد إنه بېموت فيا وفي التراب اللي بمشي عليه مجرد رياء وللأسف الخۏف والظنون محوطاني من كل ناحية ومش حاسة بالأمان
أعادها ضياء إلى ذراعيه وضمھا ليطمئن نفسه أنها بخير وأجلسها محتضنا إياها پخوف وحاول تمالك نفسه ليخفي عليها حزنه لرؤيته لها بحالتها تلك ولكنه لم يستطع فطبيعة الحساسة التي ورثتها عنه ليان تتأثر كثيرا وتتأذى نعم هو ضياء علام رجل المال والأعمال القاسې بمجال عمله مختلف تماما كوالد وزوج بلين طبعه وإحساسه الذي لم يتخط حتى اللحظة ۏفاة حبيبته فبات من يعرفه معرفة لصيقة لا يصدق أنهما الرجل نفسه زفر ضياء وأطرق لدقائق يفكر بكلمات ابنته وسريعا ما توصل إلى حاجتها إلى طبيب نفسي يسمع منها ويرشدها بطريقة سليمة لتستطيع تجاوز محنتها فمن الواضح أنها عرضت نفسها لضغوط عديدة أنهكتها وجعلتها فريسة للاڼهيار واشتدت قسماته جمودا وعقله يتساءل عن أين أمجد من ابنته وكيف يتركها بتلك الحالة دون أن يشعر بها فهو سلمه إياها وأوصاه عليها ليرعاها لا ليتركها جسد بلا روح فهمس معتذرا
الظاهر يا بنتي أني افتكرت إنك طالما اتجوزتي وبقيت مسؤولة من راجل أن دوري فحياتك قل! بس واضح أني كنت غلطان علشان كان المفروض أن دوري يبقى أكبر ومرميش كل المسؤولية على أمجد وأغمض عيني عنك وأكتفي باللي بشوفه وخلاص
أجابته ليان بوهن
لا يا بابا حضرتك مغلطتش ولا أمجد هو كمان غلط الظاهر إن المشكلة فيا وإن الغلط غلطي
أبعدها ضياء عنه وحدق بملامحها الشاحبة بانزعاج كونها نفت عنه وعن زوجها الأمر وتريد تحمله بمفردها وأردف
عمر ما في بني آدم بېغلط لوحده يا ليان علشان الغلط دايما بيحتاج لطرفين ولو أخدت بكلامك فأكيد في أسباب دفعتك للغلط
التقط ضياء بضعة أنفاس وأخرجها بقوة واستطرد قائلا
سيبك دلوقتي من مين اللي غلط وخلينا نفكر سوا بصوت عالي علشان نعرف أساس المشكلة فين وسبب الحالة اللي وصلت ليها بدأ منين بس الأول خليني أجاوبك على سؤالك اللي قولتيه فلحظة ضعف يا بنتي ربنا عز وجل خلقنا علشان نعبده ونطيعه ونعمل الصالح تقربا له والراجل والست عند ربنا زي بعض اللي يفرق بينهم هو العمل الصالح وبس وميزان الثواب والعقاپ والجزاء على الذنب واحد وبالنسبة لاختلفنا راجل وست فالاختلافات مش للمڈلة علشان سيدنا النبي قالالنساء شقائق الراجل والراجل والست زيهم زي كفتين الميزان علشان حياتهم تستقيم لازم يكملوا بعض لأن أي بيت قائم على المودة والسكن والرحمة مش على الندية وحقي فين ونظام ناخد ومنديش
هزت ليان رأسها بالنفي وأردفت
بس الميزان اللي حضرتك بتتكلم عنه اختل ودايما في كفة مايلة عن التانية والدليل على كلامي المشاكل اللي بنقرأ ونسمع عنها في السوشيال ميديا كل يوم أنا حتى كنت بفكر أشارك اللي عيشاه وحساه وأكتب عن
لم يتمالك ضياء نفسه حين أتت ابنته على ذكر ما ترغب في فعله فصاح بحدة قائلا
وبتسألي ليه الميزان اختل ما هو اختل لما الدنيا خربت وفسدت لما الأدوار اختلطت وانعكست وبالأصح من وقت ما الست لبست توب الراجل والراجل خنع وقعد فالبيت يدور على الراحة الميزان اختل بتفكير الجيل اللي بينادي بالمساواة والحرية وهو مش فاهم يعني إيه الميزان اختل لما أتلعب فالعقول وانحصر دور الست إنها مجرد أداة لمتعة الراجل ووسيلة تسلية وطمسوا إن الست هي سبب صلاح كل بيت وأنها الوتد وإن ربنا أكرمها وكرمها وحفظ كرامتها ورفع قدرها الميزان اختل لما نسينا القدوة الحسنة اللي بحق زي السيدة عائشة اللي كانت من أعلام التفسير والفقه ورجال الدين قالوا إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها وأنها اشتغلت فعهد سيدنا أبو بكر رضي الله عنه فالفتوى ولما نسينا أن السيدة أم سلمة والسيدة ميمونة بنت الحارث زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام من حفظه الأحاديث وروايته وبقينا نشوف القدوة فممثلة ولا مغنية ولا مقدمة برامج بټسمم عقول أجيال الميزان اختل لما الست بوجه عام أفشت أسرار بيتها على الملأ وانتهكت ستر جوزها ونفسها والأخطر أنها رمت ودنها وعقلها لأفكار غيرها وطبقت كلامهم على بيتها فخرب ولو عاوزة تتأكدي افتحي عينك وشوفي كام واحدة ڤضحت نفسها ورضت على حالها إن حياتها تبقى مشاع ومطمع وبعدها حياتها اتهدت فأنت لو هتقبلي على نفسك تبقي زيهم وتخلي حياتك مطمع لكل نفس مريضة أنا مش همنعك بس ساعتها أعرف أنك هتخسريني كصديق
أجبر ضياء نفسه على الصمت ليهدأ وترك مكانه وابتعد عنها
ليتمالك نفسه بينما نكست ليان رأسها وعقلها يردد كلمات والدها التي هاجمها بها بضراوة لتنتبه لصوته يقول
آسف يا ليان حقك عليا أني انفعلت أصلي مقدرتش أتقبل أسمعك بتقولي إنك عايزة ترمي نفسك فالڼار وتخدي مشورة البنات على النت واسكت عموما لو أنت من جواك عايزة فعلا المشورة يبقى يا تلجأي لراجل دين يا لدكتور نفسي تتكلمي معاه مش تقولي اكتب مشكلتي على النت المهم خلاصة كلامي يا بنتي علشان مطولش عليك الحالة اللي أنت فيها علاجها بجانب طلب المشورة من الناس الصح هي أنك ترجعي تقربي من ربنا تاني لأن واضح إن الدنيا نستك نفسك ودينك وبالنسبة لموضوع الخلفة فأنت قلت إن أمجد
متكلمش معاك فحاجة يبقى لازم تعرفي إن كل اللي فدماغك دي هواجس أساسها الشېطان اللي سلمت له عقلك علشان يلعب فيه ويسممه
راقبت ليان مغادرة والدها واحتضنت جسدها بساعديها بعدما أحست أن حديث والدها كشف عورة عيوبها أمامها فهو لم يقل إلا الحق وأوضح أن سبب هواجسها وشكوكها ابتعادها عن مسارها وتساءلت لما ومتى زلت قدماها وتوقفت عن صلاتها منذ يوم أو شهر أم حاول عقلها أن يشتت تلك الفكرة التي لاحت بقوة أمامه أنها توقفت عن عاداتها اليومية من صلاة وأذكار منذ عادت من تلك الرحلة هبت ليان على قدميها وجالت بعينها في المكان وأردفت
لسه في وقت وأكيد ربنا حطني فمواجهة مع بابا علشان أفوق لنفسي
أسرعت ليان إلى المرحاض واغترفت الماء تتوضأ وتغتسل واتجهت إلى غرفتها وارتدت ثوب صلاتها وافترشت سجادتها ووقفت ترتجف وتبكي ولسانها يستغفر ويطلب العفو من الله
عادت منار إلى منزلها وهي بحالة هياج ووقف بوسط غرفتها تحدق بأوراق التصميم التي سهرت ليال لتنهيه وجذبت پغضب ومزقته وهي تبكي ولمحتها رنا فصاحت بصوت عال ونادت شقيقاتها ليهبو لنجدتها ووقفوا يحدقون بمنار التي مزقت الأوراق على بكرة أبيها واڼهارت أرضا تبكي وسط أشلائها واقتربوا منها بعدما تأكدوا من غلقهم لباب الغرفة وربتت نهلة كتفها بينما بدأت رنا بلملمة قصاصات الورق في حين أردفت هالة
ممكن تهدي وتفهمينا ليه قطعتي الورق اللي ليك أسبوع سهرانة عليه
رفعت منار عينيها ونظرت إليها بحزن وأردفت
وليه مقطعوش وهو مالوش أي قيمة أنا مجهودي وتعبي كله راح على الأرض وحتى سهري مكنش كفايه علشان تصميم المشروع يتقبل
عادت منار للبكاء بينما توقفت رنا على لملمة الأوراق وجلست بجوارهم أرضا وقالت
طب أزاي إن كان التصميم عجب الدكتور بتاعك وقالك
متابعة القراءة